الاثنين، 20 يونيو 2011

تعظيم سلام للباشا


لم يكن أبداً علي إستعداد أن يستجب لتوسلات الجمع الذين راحوا يحتشدون في حماس من كل صوب شاخصين لغير طريقهم .. هاملين مشاغلهم .. متباطئين في خطاهم .. متوقفين .. مشدوهين .. ناظرين هذا المسكين تتلاعب به تلك اليدين الصلبتين في ثقه و إفتراء .. مبصرين هول سلطه جائعه مجسده علي قدمين تنهش في بقايا إنسانيته غير مباليه .. يحمدون ربهم أنهم ليسوا في مكانه .. يُقبّلوا أياديهم ظاهرها لباطنها إنهم في مأمن من تلك اليد الباطشه التي لن يوقفها إلا قدرة قادر ..



بصوت راجف خفيض يكثر حنثهم المستحي علي هذا الجلمود كي يترك الرجل ويعفو عنة .. بكلمات تغزوها اللعثمه يحاول أحدهم الإسترحام فتنال من أمه سبّه لا ذنب له فيها .. يعود أدراجه باكياً كرامتها التي لم يمسسها سوء إلا منذ لحظات .. للحظات يخطر للبعض أنه مشهد تمثيلي في فيلم أو برنامج منتظرين من يخرج عليهم معلناً أنها مُزحه .. و لكن لا حِراك إلا للباشا و الرجل الباربي الذي بيديه .. يُخطط الجميع أن يلملموا شتات أمر هذا الذليل الذي أصبح سيرة كل المتواجدين للباقي من حيواتهم .. شريطة أن يعتقه أولا هذا الفتوه صاحب الأمر .. تزداد توسلاتهم فتنهال لطماته و صفعاته في تحدي علي هذا الوجه الكالح المريض الذي دب به الشيب و إسترعي .. يتسولون له الرحمه فتستعر به رغبة الإيذاء و يمزق هذا الجلباب المهلهل بطبيعته فيزيده عري عما فيه ..


لم يستطع أحد من كل هؤلاء الواقفين بلا إكتراث و المحتشدين بلا مُبالاه و المتفرجين بلا إهتمام و المسترحمين بلا رجاء أن يتدخلوا جسدياً ولو حتي علي سبيل (عمل أي منظر) في محاوله لإنهاء الوضع الذي لا تجرؤ أن تسميه إشتباك بأي حال .. فمن حق الباشا فعل ما يشاء وقتما شاء .. الأسباب ؟ .. الأسباب جميعها تتلخص في أنة (الباشا) ..


- (و حياة النبي يا باشا تسيبه )
- (معلش يا باشا ده ميدراش .. أصله بركه و بتاع ربنا )
- (علشان خاطرنا إحنا يا باشا تسامحة ده مخه مفوت ميعرفش) ...


أطفال صدئة المظهر تتأتي من كل الجوانب .. تنشق الأرض عنهم ليتجمعوا في ثواني معدودات .. تتكاتل تلك الأجساد الصغيره علي المشهد مبتسمين .. يَغلُب حداثة ما يرونه علي هوله في نفوسهم الغير بريئه .. تري سيجاره أو إثنتين بين أصابع لأيادي متداخله لا يمكنك تمييز أصحابها .. يحاول أطولهم أن يسيطر عليهم .. يزجرهم و يزمجر في وجه من يقاربه الطول و العرض .. يفسح طريقا له فيهم .. يتقدمهم .. يقف أولهم .. تتحرك من ورائه تلك الاجساد الصغيره .. تتزاحم فيما بينها .. تتكاتل و تتكاثر و تأخذ مكانا مرموقاً في الكادر


ببطء تخترق سيده مسنه هذا الكادر .. لها خطوه أليه مريضه .. تميل بجسدها الضئيل تجاه يمناها المشلوله
تنظر المشهد في سخط عميق يرتسم واضحا علي وجهها المجعد العتيق
و بغضب بليغ كاره تجهر بصوتها العالي ملوحه بكلتا يداها بغير خوف : يجيلك شلل في إيديك يا بعيد .. يحزنك روح .. ما يوردك علي جنه لا إنت و لا إللي ساندينك .. إلهي تدوق من ظلمك يا ظالم
تبتعد عن المشهد و يخفو صوت دعواتها معها تدريجياً ..
لم تتوقف عن الدعاء أو التلويح حتي تلاشت نهائيا من الكادر


للحظات يتملكني اليأس البالغ أن تأتي تلك اللحظه التي يمل فيها الباشا من تلك الفضلات الأدميه التي تبقت في يده .. للحظات أجدني مقتنعاً أن الباشا سيظل ممسكا بفريسته إلي الأبد ..


أقف أنا شارداً خائفاً
أهيم شاخصاً للاشئ .. غائصاً في عوالم خيالاتي الكابوسيه
أشعر بأناملي تنتفض محتجه علي سلبيتي .. رافضه سكوتي و تجهمي
أشعر بها تمقتني مقتاً وكأنها تريد هجري
أنظر فيها متعجباً من إنعدام سيطرتي عليها .. ليزداد إنتفاضها مؤكده في تحدي أنها أصبحت حره لا حكم لي عليها
أشعر بضربات قلبي تزداد في إنفعال طارقة جنبات صدري في غضب صريح


ماذا عساني أفعل أيها المجانين .. ليست لكم عيوني لتروا هول ما أراه .. ليست لكم مخاوفي ليعتمل فيكم ما بداخلي .. ليست لكم إرادتي لتسلب منكم كما هو حالي


فلتخرسوا إذن أو تذهبوا إلي جهنم


تنبهت من شرودي علي من يصرخ في ..
- عظم يا عسكري و أقف إنتباه .. الباشا وصل ..


- تعظيم سلاااااااااااااااام .






تحريراً في
27/01/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق