الاثنين، 12 أكتوبر 2009

ابتسامه عابره

كثيرة هي تلك اللحظات التي تتذكر فيها حدثا طريفا قمت به منذ زمن بعيد فتجد ابتسامه تغزو وجهك فارضه نفسها علي اجواء خيالاتك رغما عنك .. و عندها تتوالي في ذهنك الخواطر والاحداث .. الضحكات و الهمسات التي كانت يوما هي ينبوع يفيض بسخاء لرسم ابتسامتك .. تتذكر اياما كانت فيها الابتسامة تخرج منك دون عناء او تكلف .. تخرج من اعماقك لتخبر الجميع ببراءة ونقاء قلب صاحب هذة الابتسامة التي غالبا ما كانت تتحول بمنتهي السلاسة الي ضحكة صاخبة .. تتذكر اياما كان المرض فيها يشتد عليك وعلي الرغم من ذلك كنت تصر اصرار بالغا علي الذهاب الي المدرسة لمجرد لقاء الاصدقاء واللهو والتواثب هنا وهناك فلم يكن لك أن تتصور صخبهم بدونك .. تتذكر حينها وجة والديك اللذين طالما تعجبا من تصرفاتك .. - من امتي وانت مجتهد اوي كده .. خليك النهارده في البيت انت تعبان - انا هاروح المدرسه مليش دعوه فلا أحد منهما يفهم سر هذا الاصرار الغريب علي النزول برغم مرضك فتتوالي الذكريات في ذهنك لتتفكر تعليق والدك حينها واصفا اياك بالخروف في اصرارة علي المناطحه فتزداد ابتسامتك انفراجا . تتذكر معلمتك في الابتدائية التي لم تكن تجيد نطق الحروف بصورتها الطبيعية (لدغاء) وكيف كنت وزملائك تتهكمون علي طريقة نطقها للكلمات التي كانت تخرج منها بطريقة مضحكة وكيف كنتم تصتنعون الجهل بمعاني بعض الكلمات التي كنتم تدركون تماما انها تمثل حملا علي لسانها .. كانت تنطلي عليها الحيلة لبعض الوقت و لكنها حينما كانت تدرك .. كانت تتعالي صرخاتكم وتوسلاتكم ووعودكم لها بعدم تكرار الامر .. تتذكر حين كانت تسالك والدتك عن سبب الكدمات واثار اللطمات فكنت تتلعثم معللا ذلك بمشاجرة مع بضع الاشقياء .. كنت تكذب لانك تعرف تماما انك اذا تفوهت بحقيقة ما حدث لتكررت صرخاتك وتوسلاتك ووعودك .. ولهذا كنت تكذب مستمتعا بسرد رواية عن هؤلاء الاشقياء الذين اعترضوا طريق رجوعك الي البيت بدون سبب وتكتلهم عليك وضربك وانت الضعيف المهذب لم يكن لك حيلة سوي البكاء .. عندها فقط يحن القلب العظيم ويضمك الية ويربت عليك فترقص انت طربا بداخلك لهذة النتيجة وتقارن في خيالك سريعا بين وضعك الحالي وما اذا صدقت القول فتسرع في سرك بالتهليل لمن اخترع الكذب ..اخترع !!! .. تتذكر هذا كلة فتتسع ابتسامتك اكثر واكثر .. تتذكر الفأر البلاستيكي الاسود الذي اشتريته من البائعة الجالسة أبديا خارج بوابة المدرسة بعد ان اخذت تدخر من مصروفك لمدة تزيد عن الاسبوعين مصمما علي الاخذ بثأرك بعد الاهانه القاسيه امام كل زملائك و اصدقائك و بعد التوبيخ و السخريه بكلمات لازعة شديدة الوطء عندما عرضت علي فينوس المدرسه في ذلك الوقت صداقتك .. تتذكر رهانك مع اصدقائك علي قبولها لصداقتك بمجرد عرضك ذلك .. تتذكر درجة حرارة اذنيك والارتفاع الطردى لها مع كل كلمة تخرج من فمها .. تتذكر تهكماتهم وتهامساتهم وضحكاتهم الصاخبه التي كانت تثير داخلك ما تثيره من غيظ وغل .. تتذكر كيف بدأت داخلك رغبة الانتقام .. تتذكر كيف كان التخطيط وما حدث حين أمرت المعلمة الجميع باخراج كراسة الواجب المنزلي من الحقائب .. تتذكر حينها انك اغمضت عينك ومنيت نفسك بسماع اعلي صرخة فزع حتي وان كان بعدها الصمم .. تتذكر حين حدث .. تتذكر نشوة الانتصار الذي لا يقارنة شئ في الوجود .. تتذكر (التشششششش) التي شعرت بها فعليا تعتمل فيك .. تتذكر كيف نظرت اليها حينها وكل زفرة تخرج منك تصرخ معلنة انك انت الفاعل .. تتذكر هذا كلة فتنفرج اساريرك حتي تشعر ان جانبي فمك وصلا الي اذنيك . تتذكر نظرتك لنفسك في المرأه واعجابك بهذا الخط الرفيع الباهت الذي بدأ يتكون اسفل انفك .. تتذكر منظر الحجره الذي كان يظهر انعكاسه في المرأه .. دولاب الملابس .. الكره التي كانت تظن أمك انها تخفيها عنك فيه .. ويقودك الخليط العشوائي من تلك الذكريات الي فتره مرضك التي طالما تتذكرها وكيف عانيت وعانت معك عائلتك بالكامل منها .. تتذكر حين كنت تفتح عينيك في منتصف الليل لتجد أمك جالسه بجانبك تبكي متضرعه الي الله لتشفي .. تتذكر حينا كانت فيه تلثم يديك مرتفعتي الحراره وتبللهما بدموعها .. فتجد دمعه افلتت من زمام جفنيك فتسرع بمسحها مبتسما من نفسك في سخريه متألمه . كثيرا ما تشرد بخيالك لتدخل في تفاصيل لحظات كانت أبعد ما يكون عن مخيلتك لتجد نفسك تتذكرها فجأه .. فمنها الخاطف الذي لا تتذكر من تفاصيله الكثير ومنها الراسخ الذي تعرف بانه لن يطمس بأية حال .. منها الباسم و الباكي و منها الساخط و الساخر .. خليط غريب لا يتفتق الا عن ذهن لا يعرف عن التصنيف أو التنظيم ابسط انواع القواعد وهو ما يجعله محبب الي قلبك .. لحظات من المرح الطفولي اللذيذ التي كلما تذكرتها تبتسم في مزيج من حنين لها و حسرة لصعوبة تكرارها .. لحظات تتذكر فيها كيف كان اللهو و المرح و الانطلاق الشبابي حتي وان لم تكن تشارك فيه بالكثير .. لحظات تتذكر فيها كيف كان التوجس والترقب الذي يسبق اذاعة نتائجك وخاصة الثانوية العامة والتي طالما تتذكرها فتشعر بصدرك يعلو ويهبط في توتر وقلق وكانك تعيش نفس اللحظات الكئيبة مرة اخري فتطلق سبة رغم عنك وتلعنها ذكري .. وسرعان ما يتفهم ذهنك كم قسي عليك بتلك الذكري فيعمل علي اسراع شريط العرض لتصبح مجرد ومضة أسفه اثناءه . و تأخذك دهاليز هذا العقل الفوضوي لأمال وأحلام كانت تمثل جزءا رئيسيا وفعالا في حياتك .. وتجسد امام عينيك كل طموحاتك التي تلاشت في سرعه عجيبه .. فكانت هناك المناصب العليا التي تنتظرك انت دون سواك .. و شهادات التقدير الدولية التي كانت تتلهف ان تنهال عليك من جميع المؤسسات العلمية في جميع اركان العالم .. و اسمك الذي عند ذكرة في احد تلك المؤتمرات الهامه عظيمة الشأن ترتج لة اركان المكان .. جائزة نوبل التي كان سيسلمك اياها ملك السويد وهو ممتلئ فخرا لمجرد مصافحتك و الوقوف الي جانبك .. المعادلات الناتجة عن ابحاثك والتي كانت ستملئ جميع المراجع في شتي انحاء البسيطة .. الايادي الكثيرة التي كانت سترتفع الي السماء شاكرة مهللة لانقاذ مصير البشرية من الهلاك المحقق عن طريق تلك العقلية النووية الفذة ( اللي هي عقليتك طبعا ) .. احلام عريضة .. طموحات ليس لها حدود .. ثروات طائلة .. مستقبل زاهر باهر يحسدك علية الجميع من حولك .. امنيات و امال .. كثيرا من الامال .. وهي كانت تدعي امال ......... - متبصش لفوق أوي كده لرقبتك تتقطم .. خلينا علي أدنا .. امشي جنب الحيطه أحسنلك خلينا نعيش . - طب خلاص خلاص .. فين الشراب ؟ خليني الحق الدفتر احسن ياخدوني غياب ذي امبارح - هتلاقيه عندك تحت السرير .. آآ لأ تحت الدولاب .. آآ لأ ده في الجزمه من امبارح متغسلش - ( في سره متحسرا ) فينك ياماه - هاتعمل ايه انهارده ؟ - بالزمه ده سؤال .. أهو زي كل يوم هيفرق ايه يعني ؟! .. هاروح أقعد علي المكتب لحد معاد الانصراف وأديني جايبلك البطيخه وجاي . - طب متنساش تظبط نفسك قدام المرايه قبل ماتنزل .. مش كل يوم تنزل مبهدل كده مكرها يقف أمام المرأه .. مشمئزا يطالع ذلك الانعكاس الردئ الذي بدا له منها .. مرغما ينظر الي ذلك الوجه التي ملأته التجاعيد وشاخ قبل أوانه ليجده شاخصا فيه بذات الدهشه والاشمئزاز .. متمعضا يجاهد لهندمة ثيابه المجعده بلا فائده .. مجبرا يمسك بالمشط محاولا تهذيب ما تبقي له من شعيرات علي جانبي رأسه ولكنها تأبي في عند .. يستثيره مظهره المنفر الذي يطالعه برغم كل تلك المحاولات .. يعيد ثيابه الرثه لوضعها الساخر الاولي ويثير شعيراته القليله لتبدو كما كانت منذ لحظات .. يعجبه مظهره كما تعود عليه دائما .. تداعب ثغره ابتسامه ساخره من ذلك الشبح الذي يطالعه .. متحسره نادمه لأنه يعرف ماهيته .. عابره لأنها قلما تطفو علي سطح وجهه . - انت لسه واقف ! .. مالك بتضحك علي ايه ؟! .. ماترد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق